(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
خواطر رمضانية
13023 مشاهدة
فرضية الصيام

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الآية ، فأخبر أن الصيام عبادة قديمة كتبت على الأمم قبلنا، وفي ذلك بيان أنه شرع قديم.
وقد ذكر أن موسى عليه السلام لما واعده ربه بلقائه، صام ثلاثين يوما ، ثم زاده الله عشرا في قوله تعالى: وَوَاعَدَنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ .
وكذلك فإن لأهل الكتاب صياما ، ولكنهم يزيدون فيه وينقصون.
ومن شهد شهر رمضان وهو عاقل مكلف فإنه مأمور بصيامه، يقول تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ … .
فعذر الله أهل المرض ، وأهل السفر أن يفطروا لأجل اليسر، ورفع الحرج، وهذا من خصائص شريعتنا وفضائل ديننا.
ولا شك أن الله تعالى حكيم في أمره وفي تشريعه، فما شرع الصوم وغيره من العبادات إلا لحكم عظيمة تعجز العقول عن إدراكها.
فالصوم فيه تأديب للنفوس وحرمان لها عن تلبية شهواتها ، ولهذا فإن الصائم ينفطم ويترك الطعام والشراب وشهوة النكاح طوال النهار، مدة قد تصل إلى خمس عشرة ساعة أو أكثر أو أقل.
ولا شك أنه في هذه الحالة غالبا ما يحسّ بفقد هذه الشهوات ، وقد يتألم ، ولكن لما كان تألمه عبادة لله وطاعة فإنه يهون على النفوس الطيبة، ويكون سهلا على النفوس التقية النقية ، ذلك أنه جوع وظمأ في مرضاة الله ، جوع سببه الامتثال لأمر الله تعالى.
ولأجل ذلك ورد في الحديث المشهور أن الله تعالى خصَّ الصوم لنفسه، ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به وفي رواية: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل: إلا الصيام… الحديث .
يقول العلماء: إن كل عمل ابن آدم له أي يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة، إلا الصوم فإنه لا ينحصر في هذه المضاعفة، بل يضاعفه الله أضعافا كثيرة، فلا يدخل تحت الحصر؛ وذلك لكونه طاعة خفية بين العبد وبين ربه، ولأن فيه صبرًا عن شهوات النفس، ومجاهدة لها وإرغامًا لها على طاعة الله ، ولهذا سمي هذا الشهر: شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ فيضاعف أجرهم إلى غير عدد، إلى أضعاف لا يعلمها إلا الله.
والصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معاصي الله.
3- صبر على أقدار الله.
وكلها تجتمع في الصوم.
أما الصبر على طاعة الله: فالصائم يصبر عن تناول الشهوات، وهذا صبر على أوامر الله، صبر على طاعة الله.
أما الصبر عن معاصي الله: فإن المسلم إذا علم أنه إذا اقترف المعصية، فإن هذا سيجلب عليه سخط الله فإنه يتجنبها.
أما الصبر على أقدار الله: فإن المسلم يصبر على ما يصيبه، وما يؤلمه من جوع وعطش، وكل ذلك دليل على أنه من الصابرين: و إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
ولا شك أن هذا إنما يكون في الصوم الحقيقي ، في الصوم المفيد، في الصوم الشرعي المبني على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصوم إنما يكون صومًا إذا ظهرت آثاره على الصائمين، وذلك لأن صاحب هذا الصوم هو الذي يتأثر وينتفع بصيامه.
وكذلك فإن صاحب هذا الصوم الشرعي الحقيقي هو الذي ينتفع بشفاعة الصيام له يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ؛ يقول الصيام: أيّ ربِّ منعتُه الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال : فيُشَفَّعَان .